التعليم عن بعد في خدمة التعليم الأساسي في مصر:-
إعداد محمد حسني محمود
استخدام التعليم عن بعد في دعم التعليم الأساسي في مصر من خلال الإذاعة، بنوعيها، قديم نسبيا. فيعود الاستغلال الموثق للتلفزيون في مجال محو الأمية مثلا إلى الستينيات الأولي. وربما سبقته الإذاعة. ويدل شتات الوثائق المتاح على ثراء البرامج الإذاعية، المسموعة والمرئية، في دعم تعليم الكبار والتعليم الأساسي، وهناك الآن مشروع لتدريب معلمي اللغة الإنجليزية بالراديو. وقد قامت وزارة التربية والتعليم بجهد في إعداد مواد للدراسة المستقلة بواسطة المعلمين في مجالي التربية السكانية والبيئية. ويمكن أن يندرج تحت وسائط الدراسة المستقلة أيضا جهد وزارة التربية والتعليم في إعداد مواد تعليمية على شرائط فيديو وأقراص مضغوطة، بفرض توافر المعدات اللازمة، وإمكان استخدامها بواسطة التلاميذ ولعل نظام الانتساب الموجه لمعلمي التعليم الأساسي من خريجي معاهد المعلمين والمعلمات، والذي يطبق بالتعاون مع كليات التربية في الجامعات المصرية هو برنامج التعليم عن بعد الوحيد المتكامل في مصر، حيث ينتهي إتمامه بالحصول على شهادة في التربية (التعليم الأساسي) تعادل درجة البكالوريوس. حيث يعتمد الملتحقون بالبرنامج على التعلم الذاتي، بالإضافة إلى الحضور إلى مراكز دراسية في أوقات فراغ مناسبة، والانتظام في الدراسة أثناء العطلة الصيفية لمدة شهرين لدراسة المواد التي تتضمن جوانب عملية. وهذا البرنامج من أقدم البرامج (تعود بداياته إلى عام 1983) وأضخمها. ويُقدّر أنه قد تم تأهيل أكثر من مائة ألف معلم منذ بدء البرنامج (المركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي، 1998). ولا خلاف في أن شبكة الاجتماع بالفيديو في مصر منجز تقاني بارز يعبر عن طفرة في استخدام وسائل التعليم عن بعد الإثرائية، حيث يشكل ارتباط 29 مركزا للتخاطب الآني بالصوت والصورة، يمكن أن تستوعب ما يربو على 3700 مشارك، تجسيدا لتقانات الاتصال الأحدث ذات شأن عظيم. وقد استخدمت الشبكة بكثافة منذ إنشائها. وتشير إحصاءات مركز التطوير التكنولوجي إلى عقد 124 برنامجا باستعمال الشبكة خلال اثني عشر شهرا المنتهية في منتصف 1998، ضمت قرابة 170 ألف مستهدف، بالإضافة لاجتماعات الدكتور الوزير بقيادات التعليم على مستوي الجمهورية باستخدام الشبكة. ويوفر تزويد المدارس بالحواسيب المجهزة بالاتصال عبر خطوط الهاتف، من حيث المبدأ، إمكان اتصال المعلمين والتلاميذ بالشبكات، خاصة الإنترنت، التي أصبحت مصدرا أساسيا للمعلومات، وسبيلا مهما للتعلم الذاتي. ويستمد من إحصاءات مركز التطوير التكنولوجي أنه قد تم، حتى نهاية عام 1998، تزويد أكثر من عشرة آلاف مدرسة في مراحل التعليم الأساسي بهذه القدرة. ولا ريب في أن القنوات الفضائية المخصصة للتعليم، ونصيب التعليم الأساسي منها أربع، هي أحدث الإضافات لترسانة وسائط التعليم عن بعد في مصر. ورغم أن القنوات التعليمية المتخصصة مازالت في مراحلها الأولي، فقد احتدم الجدل حولها: تكلفتها وجدواها، وتحدي كم الإنتاج الهائل المطلوب، ومضمون البث، ومواعيده، ووسيلة استقباله وتكلفتها، وانعكاس ذلك كله على قدر فائدة الفئات الاجتماعية المختلفة منه (انظر، على سبيل المثال، تقرير الحلقة النقاشية التي عقدها مركز التدريب والتوثيق والإنتاج الإعلامي بكلية الإعلام، في "الأهرام الاقتصادي"- 25 يناير 1999). ويمكن القول بأن التوثيق الذي توافر من خلال العمل على هذه الدراسة الأولية يقصر بشدة عن مقتضيات تحليل عميق، ناهيك عن تقييم رصين. ولنأخذ بعض الأمثلة. فلم تتوافر، باستثناء جزئي وحيد في مجال محو الأمية، بيانات مضبوطة عن كم الإرسال الإذاعي، المسموع أو المرئي، في خدمة التعليم الأساسي، ولا عن مدي الاستماع له، ولا تقييم لجدواه. ولم تتوافر بيانات عن استعمال وسائل الدراسة المستقلة التي طورتها الوزارة. ولم تتوافر معلومات عن مدي وطبيعة استخدام الحواسيب في المدارس، خاصة في الاتصال بالشبكات. ولم تتوافر تقييمات لمدي فعالية التدريب من خلال شبكة الاجتماع بالفيديو. وهكذا. وجلي أن الخطوة الأولي في الدراسة المتأنية لاستخدام التعليم عن بعد في دعم التعليم الأساسي، وللعمل على تطويره وزيادة فاعليته، هي توفير مثل هذه البيانات التفصيلية، دوريا وبسرعة، على مستوي عال من الجودة. ويلخص الجدول التالي، في حدود ما أمكن جمعه من مادة- وهو قليل، أهم ملامح استعمال التعليم عن بعد في خدمة التعليم الأساسي في مصر على صورة مصفوفة من سبعة وسائط في مجالات ثلاثة. ويلاحظ أن خلايا الجدول، باستثناء واحدة- تلك المتعلقة بالانتساب الموجه لمعلمي التعليم الأساسي- هي إثرائية (لا تمثل بديلا للتعليم التقليدي). والاستخدامات الإثرائية للتعليم عن بعد هي الأصعب في المتابعة، ومن ثم في التقييم.
مصفوفة وسائط-مجالات التعليم عن بعد، والتعليم متعدد القنوات (الإثرائي)في التعليم الأساسي في مصر
المجال
تدريب المعلمين(2)
رياض الأطفال، والتعليم الابتدائي والإعدادي(1)
محو الأمية وتعليم الكبار
الوسيط
مشروع التعليم الراديو التفاعلي (اللغة الإنجليزية)
البرامج التعليمية: الفصول التعليمية- أستاذ على الهواء- فترات مفتوحة على الهواء- مشروع التعليم الراديو التفاعلي (اللغة الإنجليزية)
برامج محو الأمية
الإذاعة
البرامج التعليمية
منذ 1963- حاليا 8 قنوات محلية: تنويهات وبرامج "العلم نور" و"هيا نتعلم" و"قول يا قلم" و"اتعلم واتنور" و"بكره الشمس تطلع"
التلفزيون
موديولات تعليمية: التربية السكانية والبيئية
شرائط الفيديو والأقراص المضغوطة- إنتاج وزارة التربية والتعليم
الدراسة المستقلة
كليات التربية-
معلمو المرحلة الابتدائية
(100 ألف، حتى 1996)
الانتساب الموجه
29 مركزا بطاقة 3751 مشاركا- 124 برنامجا (168 ألف مستهدف،
12 شهرا حتى منتصف 1998)(3)
الاجتماع بالفيديو
10407 مدرسة حتى 1998
الإنترنت
قناة
قناتان
قناة
القنوات الفضائية
(1) التعليم الابتدائي يشمل الفصل الواحد، وتشمل المراحل كلها "التربية الخاصة".
(2) تدريب المعلمين يشمل الموجهين والإداريين.
(3) لا يشمل الاجتماعات مع الدكتور الوزير.
تقييم جهود التعليم عن بعد
إن كان توثيق جهود التعليم عن بعد في دعم التعليم الأساسي في مصر غير كامل، فالتقييم الرصين لهذه الجهود شبه غائب. لم يتوافر للكاتب إلا دراسة تقييمية واحدة للحملة الإعلامية لمحو الأمية، قام بها مركز بحوث ودراسات المرأة والإعلام، بكلية الإعلام، بالتعاون مع الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار (1998). وتضمنت هذه الدراسة استطلاع آراء عينة من الجمهور ومن العاملين بمحو الأمية في بعض جوانب التعليم عن بعد، في ميدان محو الأمية، من خلال الإذاعة، المسموعة والمرئية. وقد سبق هذه الدراسة تنظيم الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار للحلقة النقاشية الأولي للبرامج التعليمية لمحو الأمية في التلفزيون المصري عام 1996. وعلى هذا يظهر أن الاهتمام بالتقييم كان أوضح ما يكون، في حدود ما توافر من بيانات، في مجال محو الأمية وتعليم الكبار، وهو أمر يستحق الإشادة. غير أن ما قام فعلا من تقييم في مجال محو الأمية وتعليم الكبار، لا يفي في تقديرنا بمقتضيات تقييم واف لهذا المجال الحيوي من التعليم الأساسي. إذ يتطلب التقييم الرصين في هذا المجال، بداية، توافر "إحصاءات الخدمة" التي تجمع من خلال التقارير الإدارية: عدد الفصول، عدد المقيدين، عدد الناجحين في الاختبار، وخصائصهم. ولكن، على فائدتها، لا تكفي هذه البيانات لتقييم جاد للإنجاز، وهو أحد المدخلات الأساسية لعملية تخطيطية سليمة. وهناك ستة اتجاهات أساسية للعمل في هذا المجال: 1. الالتحاق بالبرنامج، وتفاوتا ته، ومحدداته. 2. الاستمرار في البرنامج، وتفاوتاته، ومحدداته. 3. اجتياز الاختبار النهائي للبرنامج، وتفاوتاته، ومحدداته. 4. اكتساب المعارف والمهارات عند إنهاء البرنامج، تفاوتاته ومحدداته، من خلال اختبارات مقننة للمستفيدين عند التخرج. 5. الاحتفاظ بالمعارف والمهارات بعد إنهاء البرنامج، وتفاوتاته، ومحدداته. 6. تحليل التكلفة-العائد. وتتطلب الاتجاهات الثلاثة الأولي قيام نسق شامل وكفء لإحصاءات الالتحاق، والتقدم للاختبار، والنجاح فيه يوفر خصائص الأفراد. وبالإضافة، تتطلب كل الاتجاهات الستة، خاصة جانب المحددات في الاتجاهات الثلاثة الأولي والثلاثة الأخيرة بكاملها، القيام ببحوث معمقة تنبني على مسوح المعاينة. وقس على ذلك فيما يتصل بباقي المجالات المتضمنة في حصرنا لجهود التعليم عن بعد في خدمة التعليم الأساسي في مصر.
استيعاب مفهوم التعليم عن بعد
حتى بعد تقديم موضوع التعليم عن بعد بوجه عام وعرض استخداماته في دعم التعليم الأساسي في مصر، لم يكن هناك لدي بعض المشاركين فهم واضح لمعني التعليم عن بعد، وللتفرقة بينه وبين التعليم متعدد القنوات (حيث تدعم أشكال من التعليم عن بعد التعليم في المؤسسات التعليمية النظامية). كان هناك ميل لاعتبار أي استخدام لوسائل تعليمية متطورة (بما في ذلك معامل العلوم مثلا)، وبوجه خاص تلك التي تقوم على التقنيات الأحدث (مثل شرائط الفيديو أو الأقراص الممغنطة المضغوطة CDs)، ولو بواسطة المعلم في سياق التعليم في المدارس، تعليما عن بعد. وتؤكد هذه الصعوبة على ضرورة تقوية جهد التوعية بأساليب التعليم عن بعد في أوساط المعلمين.
تقدير الفعالية
تردد التقدير بأن معدات حديثة (مثل الفيديو الحواسيب) قد خصصت فعلا لبعض المدارس ولكنها لم تستخدم الاستخدام الأكفأ لأسباب متعددة، تضم: بعض المدارس (في مباني قديمة) لا تتوافر بها الإمكانات المطلوبة لتشغيل الأجهزة، وبعضها حتى لا يدخل في خطة هيئة الأبنية للتطوير بحيث تتوافر الإمكانات المطلوبة مستقبلا. خوف المعلمين المسئولين عن الأجهزة، عالية التكلفة، من تلفها أو سرقتها، الأمر الذي يدعوهم لتقليل إتاحتها للاستعمال العام (طالب بعض المشاركين، بحماس، بضرورة توفير وظيفة "حارس ليلي" بالمدارس).· قلة التجهيزات، ونقص سعة أماكن المشاهدة والاستعمال، في حالة الفيديو الحواسيب، بالمقارنة بعدد الطلاب والفصول في المدرسة.· تقادم الأجيال الأولي من الحواسيب واختلاف نوعها (الماكينتوش) عن المعيار السائد الآن، والذي تطور له البرامج التعليمية.· ضعف وسائل الاتصال التليفوني، الأمر الذي يقصر الاتصال بالإنترنت في المدارس التي تتوافر بها الإمكانية على بعض المعلمين.· يقلل تكرار انقطاع التيار الكهربائي من الاستفادة.· قلة معرفة المعلمين المسئولين- بسبب قصور التدريب الذي يحصلون علىه- وثقل العبء الملقي عليهم (بالإضافة لجداول حصصهم).· قرب غياب معرفة مديري المدارس والموجهين بإمكانات الأجهزة والسبل الأفضل لاستخدامها.· قلة توافر الإمكانات اللازمة لتوفير الخامات المستهلكة (الأحبار، والورق، والشرائط، والأقراص الممغنطة).· ضعف صيانة المعدات.· قلة كفاية البرامج التعليمية عن تغطية المناهج، وتأخر وصولها خلال العام الدراسي.· قلة الوقت المتاح لاستخدام الأجهزة والبرمجيات في ضوء توقيتات الانتهاء من أجزاء المناهج. وتثير هذه الملحوظات الحاجة الماسة إلى تعزيز جهود المتابعة والتقييم في ميدان التعليم عن بعد للعمل على تلافي أوجه القصور.
العائد/التكلفة
أثير التساؤل عن مدي كفاية العائد على التكلفة الضخمة لاستخدام بعض التقنيات الحديثة، خاصة في ضوء غياب بعض المقومات الأساسية للعملية التعليمية السليمة (الطباشير الصحي، وسائل الإيضاح الأساسية، …).
الاجتماع بالفيديو
اعتبر مفيدا، وتم التعبير عن الرغبة في توسيع نطاقه على المستوي المحلي، ولكن أثير أن عقد الاجتماعات بالفيديو أثناء فترة الدراسة يصيب الأداء المدرسي بالاضطراب. كذلك يعتقد أن الاجتماع بالفيديو يجب أن يكمّل بأشكال من التدريب العملي في مجموعات صغيرة تحت إشراف متخصصين.
القنوات الفضائية
تكرر تفضيل نقل المواد التعليمية عبر قنوات الإرسال التلفزيوني العادي، المتاح للجميع تقريبا، بدلا من القنوات الفضائية التي تتطلب إما شراء جهاز فك الشفرة decoder (للقادرين) أو الاكتفاء بالمشاهدة في المدارس (لغير القادرين). كما أن المشاهدة في المدارس ستتزاحم مع الدروس العادية وتواجه مشكلة نقص الأماكن المتسعة لجميع التلاميذ في أغلب المدارس.
مكافحة الدروس الخصوصية
ارتأى البعض أنه يمكن استخدام تقنيات الاتصال الحديثة، خاصة شرائط الفيديو المسجلة لمعلمين ممتازين والأقراص المضغوطة المشوقة، في مكافحة الدروس الخصوصية، بعد أوقات الدراسة المعتادة، في المدارس بشرط توافر أماكن المشاهدة المناسبة. إذ، خلافا للبث الإذاعي المرئي أو المسموع، توفر الشرائط والأقراص إمكان التوقيف والمناقشة والإعادة حسب حاجة المتعلمين في كل موقع. في النهاية، تم التعبير عن الحاجة لزيادة الاهتمام ببرامج التعليم عن بعد لذوي الاحتياجات الخاصة.
المراجع
1. التعليم عن بعد، مصر واليونسكو، إصدار ديسمبر 1996، اللجنة الوطنية المصرية لليونسكو، القاهرة، والذي حوي أوراق اجتماع خبراء نظمته المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم واللجنة الوطنية المصرية لليونسكو في مايو 1996.
أحمد أبو شيخة (1996)اقتصاديات مشروعات التعليم عن بعد وبدائل تمويلها. (1)
أحمد شبشوب (1996)التجربة التونسية في ميدان التعليم عن بعد. (1)
المكي المروني (1996)تجربة دولة المغرب في مجال التعليم عن بعد. (1)
المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (1996)رؤية استراتيجية للتعاون الإسلامي في مجال التعليم عن بعد. (1)
سامح سعيد، عايده أبو غريب، نجوي جمال الدين (1996)تكنولوجيا التعليم والتعليم عن بعد في جمهورية مصر العربية. (1)
صلاح الدين محمود إليتيم (1996)تجربة الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمي في مجال التعليم عن بعد، الجامعة المفتوحة في الجماهيرية الليبية، الواقع والتطلعات. (1)
عصام أحمد فريحات (1996)التجربة الأردنية في مجال التعليم عن بعد. (1)
يعقوب نشوان (1996أ)تجربة جامعة القدس المفتوحة في التعليم عن بعد.(1)
------- (1996ب) تقويم التعلم عن بعد بجامعة القدس المفتوحة من وجهة نظر الدارسين. (2)
اعداد محمد حسني محمود